اليمين الغموس


اليمين الغموس ( بفتح الغين وضم الميم ) فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري بقوله " الذي يقتطع مال امرئ مسلم ، هو فيها كاذب " وذلك عندما سئل عن الكبائر ؟ فقال : " الإشراك بالله " قال : ثم ماذا ؟ قال : " ثم عقوق الوالدين " قال : ثم ماذا ؟ قال : " اليمين الغموس " قلت : وما اليمين الغموس ؟ قال :
وبينها الإمام النووي في تهذيب الاسماء واللغات (3 / 244) بقوله :

( أن يحلف على ماض كاذباً عالماً ،قال: سميت غموسا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ويستحق صاحبها أن يغمس في النار ، وهي من المعاصي الكبائر كما ذكرناه في الروضة في كتاب الإيمان والشهادات ) .

وعلى هذا التعريف الحنابلة أيضاً فقصروها على الحلف كاذباً على ماض .
أما الحنفية والمالكية فاليمين الغموس عندهم : هي الكاذبة عمدا في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، كأن يقول : والله ما فعلت كذا ، وهو يعلم أنه فعله ، أو : والله ما لك علي دين ، وهو يعلم أن للمخاطب دينا عليه .
كما في الموسوعة الفقهية الكويتية - (7 / 282) .



وهي من الكبائر كما نص على ذلك العلماء ، منهم الإمام النووي كما تقدم ، وعدها من الكبائر من ألف في الكبائر ، ومنهم الحافظ الذهبي فقال في كتابه الكبائر (ص 101) : (الكبيرة الخامسة والعشرون اليمين الغموس ...) .


وعدها أيضاً من الكبائر العلامة ابن حجر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر (2 / 861) فقال :
( الكبيرة التاسعة والعاشرة بعد الأربعمائة اليمين الغموس ، واليمين الكاذبة وإن لم تكن غموساً ) .

وقد جاء الزجر الشديد عنها في الكتاب والسنة ، قال الله تعالى { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } . سورة آل عمران : 77 .

صورة
في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس ) رواه البخاري .

وفي رواية للبخاري أيضاً أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : ( الإشراك بالله قال ثم ماذا قال اليمين الغموس قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امريء مسلم يعني بيمين هو فيها كاذب ) .


وعن عبدالله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان قال عبدالله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقه من كتاب الله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين .

وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك ) . رواه مسلم .


وأما الكفارة فيها ، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا كفارة في اليمين الغموس . وأوجب الشافعية والأوزاعي الكفارة فيها .

وتجب التوبة منها كغيرها من الذنوب مع رد الحقوق إن ضاع بسببها حق أو عفو أصحابها عنها .


جاء في بداية المجتهد (1 / 299) :
( قال الجمهور : ليس في اليمين الغموس كفارة وإنما الكفارة في الأيمان التي تكون في المستقبل إذا خالف اليمين الحالف ، وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل .
وقال الشافعي وجماعة : يجب فيها الكفارة أي تسقط الكفارة الإثم فيها كما تسقطه في غير الغموس .

وسبب اختلافهم معارضة عموم الكتاب للأثر ، وذلك أن قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية .. توجب أن يكون في اليمين الغموس كفارة لكونها من الأيمان المنعقدة .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ) يوجب أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة ) . اهـ


وفي فتح الباري لابن حجر (11 / 557) :
( ونقل محمد بن نصر في اختلاف العلماء ثم ابن المنذر ثم ابن عبد البر اتفاق الصحابة على أن لا كفارة في اليمين الغموس .
وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة وإسماعيل القاضي في الأحكام عن ابن مسعود : " كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه " .
قال : ولا مخالف له من الصحابة . واحتجوا بأنها أعظم من ان تكفر .
وأجاب من قال بالكفارة كالحكم وعطاء والأوزاعي ومعمر والشافعي : بأنه أحوج للكفارة من غيره ، وبأن الكفارة لا تزيده الا خيراً ، والذي يجب عليه الرجوع إلى الحق ورد المظلمة فان لم يفعل وكفر فالكفارة لا ترفع عنه حكم التعدي بل تنفعه في الجملة ) .


والله تعالى أعلم .

 
و الله سبحانه و تعالى أعلم

ليست هناك تعليقات: